القائمة الرئيسية

الصفحات

قصة,قصيرة.صديقتي,



قصة قصيرة بعنوان : صديقتي  



احتضنتني حين دخلت عليها و وقفت لحظات تتأملني، ثم
جذبتني إلى ركن مريح في مكتبها الواسع وامطرتني بالأسئلة والأجوبة. وفهمت منها انها تابعت دراستها في الخارج
وعملت أول ما عادت في القطاع البنکی،في مجال تخصصها، وكان بإمكانها أن تحقق فيه اشياء أكثر من تلك التي حققتها
حتى الآن لو لم تشغلها حياتها الخاصة وتعطل مسيرتها۔ تزوجت بأحد زملائها الذين عادوا معها من الخارج وعانت
من مشاكل كثيرة اجبرتها في النهاية على الانفصال عنه. وهي الآن تعيش وحيدة دون اطفال. لم اعرف ماذا أقول لها، لكنها
طلبت مني أن أحدثها عن زوجي واولادي. 

وحين حملقت فيها بذهول آخبرتني مبتسمة أنها القت نظرة خاطفة على ملفي لم تتغير صديقتي. تأكدت من ذلك في الأيام التي تلت
جلستنا في مكتبها. لا زالت كما عرفتها، شكاكة، متحفظة ترمق الآخرين بريبة، وتتوقع الأسوا في كل شيء.
ولا زالت مهووسة بي بشكل بدا يثير قلقي حينما كنا ندرس معا، كنت اشعر بالزهو والفخر لاهتمام
اهم طالبة في الثانوية بي. ولم اكن افهم سببا لذلك. فلا اسرتي معروفة مثل اسرتها ولا علاماتی مميزة كعلاماتها ولا
شكلي فاتن ولا حضوري لافت. . بعد ذلك حين بدات اكتشف بعض جوانب شخصيتها، تبين لي انها اختارت متعمدة اقل
 بنات الفصل حظا في الاستفادة من الهالة المحاطة بها فلم  اكن  يوما ممن تبرعن في سرقة الاضواء من الاخريات
ولم يعجبني الأمر وحاولت التخلص من صحبتها، لكنها لاحقتنی وبدأت تهتم بي بشكل مختلف. تحكي لي الكثير من اسرارها،
تسال عني كلما افترقنا، تساعدني في الدراسة، تشجعني على ابراز الأجمل في، شكلا اعني، تخرجني من عزلة فرضتها
ظروفي على. كان كل ذلك رائعا. المشكلة الوحيدة ان علية ارادت أن تحتكر صحبتي.

كانت تنزعج كثيرا عندما تراني مع غيرها، ولا تكف
عن تحذيري من نفاق البنات وضغائنهن وحقدهن، وكانت نوبات غضبها وجفائها الكثيرة توتر صحبتنا ورغم انها كانت
تسارع دائما لمصالحتي، الا انني كنت اشعر ان صداقتنا لن تصمد طويلا. . وفعلا، اول ما ابتعدنا عن بعضنا بدا وهجها
يذوي إلي أن اختفي . .

لم افهم سبب احتفائها بي في البنك.. هل حنت إلى ايامنا الخوالي؟ هل تريد ان تملا وقتها الشاغر بي، وهي الوافدة
الجديدة التي لا تكبلها قيود ولا مسؤولیات؟ تعرفت على اسرتي واستلطفت اولادي وزوجي،
نتزاور ونخرج معا. وتعجبت من كثرة معارفي، ومن الداخلين والخارجين من بيتي، وبدات ملاحظاتها وتحذيراتها
تحاصرني. انا اعرض بيتي واسرتي للخطر. كيف آمن للغرباء؟ كيف استعرض العشرات من صديقاتي امام زوجي
ولا اخشي ان تخطفه واحدة منهن؟ كيف اترك اولادي يصاحبون كل من هب ودب؟ كيف اكشف كل اوراقی
للمحيطين بي؟ كيف اصدق كل ما يقال لي؟ لا ادري أن كانت تهتم حقا لمصلحتي، ام تحاول أن تحتكر
صحبتي من جديد، ولكنني اعترف انها عندماً اخذتني  عند بعض معارفها القليلين في المدينة بدأت اطرح على نفسي بعض الأسئلة
قالت لي علية راشد يوما: »هل تتذكرين الأستاذة عبلة، مدرسة الأنجليزية؟ كانت تعطينا دروسا مجانية في بيتها
تذكرتها. امرأة انيقة بالغة اللطف والتهذيب. اخذتني اليها. لا بد انها في الأربعينات الآن. كانت في مقتبل العمر عندما درستنا۔

فوجئت بسيدة متقدمة جدا في السن ونحيلة إلى درجة الهزال المرضي. رحبت بنا وقدمتني علية اليها وقالت الأستاذة
عبلة وهي ترمقني بشرود: »لم تتغيري كثيرا. لا زلت تملكين نفس الضحكة ونفس الأقبال النهم على الحياة. أنت محظوظة.
شكرا همست لها وتحاشيت الإشارة إلى شخصهاـ وكيف حال الاستاذ رضا؟ والأولاد؟«.
قلبت الاستاذة عبلة نظراتها بيني وبين علية وهزت رأسها:
 لم تخبريها. ..؟
أرادت علية أن تقول شيئا. . لكن مدرستنا السابقة سبقتها : 
لا بأس. . انها حكاية قديمة. تزوج رضا احدى التلميذات اللاتي كن يزرنني. واخذ الأولاد عنده.. كنت في المستشفي. .
ولم أستطع الحصول على الحضانة. .«.

لا ادري كيف انتهت زيارتنا، ولكنني بعد دزينة من القصص المشابهة، انهرت، وبدأت افكار علية تتسلل الي دماغي.
استاءت الكثير من صديقاتي عندما طلبت منهن اعلامي بزياراتهن، واستغرب زوجي الحصار المفاجئ الذي صرت
افرضه عليه في البيت. لا أتركه يدخل على صديقاتي ولا ادعهن يقربنه. ولا اسمح له بمحادثتهن الا في حضوري
وبشكل موجز ومختصر. ولكنه طاوعنی، ولم يحدث المشاكل التي احدثها الصغار عندما حرمت عليهم الاقتراب من بعض
البيوت التي لم اكن اعرف جيدا سكانها. شجعت علية خطواتي وبدأنا نسترجع صحبتنا القديمة
ونوطدها. وبدات اشعر بانني ظلمتها في الماضي عندما ظنتها تتسلی بي وتحتكر صداقتي لإرضاء انانيتها المغلفه
بترفع واستعلاء طبقيين متاصلين في اعماقها. وأثرت علاقتنا الأخوية تأثيرا ايجابيا في عملي. 
فقد صار زملائي ورئيسي المباشر يعاملونني بشكل افضل بكثير من
السابق لعلمهم جميعا بالصداقة القديمة التي تربطني بأهم مسؤولة في البنك.
وجدت نفسي اقر في النهاية بانها كانت محقة تماما.
تعاملت حقا بغباء مع محيطي، فتحت قلبي وبيتي لمن أعرف ومن لا أعرف ووضعت رأسي تحت مقصلة اقرب المقربين الي..
تخيلوا الأمر ؟! ....

عدت من عملي أبكر من المعتاد بساعات في صبيحة يوم فاجاني فيه صداع لا يتحمل وفتحت بيتي لافاجا بزوجي
وصديقتي في وضع مشين. زوجي الذي لم يرفع يوما نظره نحو النساء اللاتي كن يدخن بيتي بمناسبة ومن دون مناسبة. وصديقتي القديمة الجديدة التي تفننت في تقديم النصائح لي ......!






جدول المحتويات